Friday 16 September 2016

بالعربي: الفتاة الضائعة لآدم نيفيل، رحلة الانتقام والدم



رواية "الفتاة الضائعة " Lost Girl للكاتب البريطاني "آدم نيفيل" Adam Nevill هي من الروايات الأدبية التي تندرج تحت ادب الديستوبيا أي الواقع المرير أو المدينة الفاسدة. تستحق هذه الرواية أن نقف عندها لأنها تحفة أدبية رائعة ذات حبكة درامية متقنة من حيث الموضوع والأسلوب السردي واللغوي المميز الى جانب الوصف البليغ سواء على مستوى الاشخاص أو الامكنة.
انه العام 2053 عالم مثقل بالكوارث البيئية والفياضانات في كل مكان نتيجة للتغير المناخي، هناك نقص في الغذاء والماء، الحروب والحرائق لا تنتهي وملايين من اللاجئين يجتاحون بريطانيا التي أصبحت ملاذا للمتاجرين بالبشر والمتحرشين ,وحاضنة للأمراض والاوبئة.
يبدأ الأب، بطل الرواية، رحلة الانتقام والدم في هذا العالم الموبوء لإيجاد ابنته التي إختطفت قبل سنتين من حديقة منزله، فيغوص القارئ في غور النفس البشرية المعذبة للأب التي يصورها الكاتب بشكل عميق. يبقى اسم الاب مجهولا وذلك رغبة من "نيفيل" لتجريده من شخصيته القديمة ليجعل منه فقط والد الفتاة الضائعة، فهو باختصار يعرّف نفسه ب "والدها" وهو أيضا "الأب الأحمر" الذي يدفعه حزنه البليغ وغضبه المشتعل ورغبته في الانتقام لمعاقبة المذنبين في رحلة البحث فيجد نفسه وجها لوجه مع عصابة ملك الموت التي تتفشى كالوباء في كل مكان.


يجدر القول بأن ما يميز كتابات "نيفيل" هو إبداعه في الوصف العميق والقوي لشخصياته! حيث يرسم صورة شاملة ومخيفة لوحشية أفراد العصابة الذين "يعيثون الفساد" في كل زاوية ويبثون الرعب بالتعذيب والقتل الجماعي وقطع الرؤوس. كما أن طقوسهم الغريبة التي تتجلى في رسومات عرًافيهم التي تغطي الجدران والتي تصور كل ما هو دمار وموت وقتل ترمز الى قرابين لملك في ثياب رثة ينتظرهم في ظلمات ما بعد الموت. كل هذا يدل على مسحة ميتافزيقية أراد الكاتب إضافتها على الرواية ليخلق شعور بالخوف والرعب والغموض.
كثيرة هي المواضيع التي تطرحها هذه الرواية ونذكر منها فلسفة العدمية! الموت يأخذ كل شيء والبشر هم أشبه بلطخة في هذا العالم لا قيمة لها، مجرد غبار، باختصار هم لا شيء. كما يغلب الطابع الإنذاري فيها ويهدف منه الكاتب بشكل غير مباشر الى التذكير بالواقع المرير الذي نعيشه الان من قتل وإرهاب وحروب على الأرض واحتباس حراري مخيف. أنه المستقبل المشؤوم الذي ينتظر البشرية. 

لغة محكمة تم توظيفها في إبراز أدق تفاصيل الرواية، و"آدم نيفيل" يبرع بشدة هنا، الصور المجازية رائعة وعميقة ، ترابط الجمل محكم وبليغ حيث على سبيل المثال يشبه الناس بالقوارض والزواحف، عيونهم خرزية ماكرة وجلدهم لزج مخادع ليبين الجشع والانحطاط الأخلاقي في أبشع صوره. أنه وصف يتجاوز الحدود المادية للكتاب فتتحول كل كلمة الى صورة حية أمام عين القارئ. أكثر ما اعجبني في الرواية هو الحب الأبوي المثقل بالذنب والحزن، المتسم بالإصرار والنضال والمقهور باليأس لكنه مفعم بالأمل، وقد أظهره الكاتب بشكل طبيعي خال من مبالغات أو تجميل. باختصار انها رواية ملحمية لأحد أكثر المؤلفين المعاصرين تفردا وإبداعا في أدب الرعب والخيال العلمي والديستوبيا فهو كما تصفه جريدة "الغارديين" The Guardian بأنه الشبيه البريطاني ل"ستيفن كينج" .Stephen King.



.

No comments:

Post a Comment